ما هو الفن؟ لتولستوي: كتاب فلسفي هام يُعيد تعريف الفن، ويُثير نقاشات حول جوهر الإبداع ودوره في المجتمع. تحليل شامل للكتاب الذي أثار جدلاً واسعاً.

ما هو الفن؟ سؤال تولستوي المحوري في زمن التحولات الفكرية. "هل تُقاس قيمة الغذاء بما يمنحه من لذة ومتعة، أم بما يُقدّمه من فائدة لأجسادنا وحياتنا؟" من هذا التساؤل الجوهري، ينطلق الكاتب الروسي العملاق ليو تولستوي في رحلة بحث فلسفية عميقة عن ماهية الفن، يُضمّنها كتابه الذي يُعتبر من أقل أعماله شهرةً، ولكنه لا يقلّ عنها أهمية: "ما هو الفن؟". صدر هذا الكتاب عام 1896، في مرحلة حاسمة من تاريخ البشرية، حيث كان العالم يشهد تحولات متسارعة لم تَعُدْ معها المفاهيم التقليدية للفن قادرة على استيعاب الواقع الجديد. في هذا السياق المُتغيّر، لم يَعُدْ بإمكان الفنان، كابنٍ لزمنه وجزء لا يتجزأ من مجتمعه، أن يكتفي بالتأمل والانجراف وراء مفاهيم مُجرّدة كاللذة والمتعة والجمال واللهو، وغيرها من الأفكار التي ارتبطت تاريخياً بالفن. لقد أصبح من الضروري إعادة تعريف الفن في ضوء هذه التحولات، وهو ما سعى تولستوي إلى تحقيقه في كتابه.



كتاب ما هو الفن .تولستوي
 ما هو الفن ؟

ليو تولستوي - ما هو الفن 

في أواخر القرن التاسع عشر، وبين صخب الحياة الاجتماعية الروسية وتيارات الفكر المتصارعة، انبرى العملاق الأدبي ليو تولستوي ليخوض معركة فكرية شرسة، لم تكن ساحتها ميادين القتال، بل صفحات كتاب أثار جدلاً واسعاً: "ما هو الفن؟". لم يكن تولستوي هنا مجرد روائي شهير صاحب "الحرب والسلام" و"آنا كارنينا"، بل فيلسوفاً ناقداً يسعى إلى تقويض المفاهيم السائدة عن الفن، ليضع تعريفاً جديداً يراه هو الحق.

نبذة عن الكاتب 

ليو تولستوي الإسم الكامل هو الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي (9 سبتمبر 1828- 20 نوفمبر 1910) يعد من عمالقة الروائيين الروس ومصلح اجتماعي وداعية سلام ومفكر أخلاقي . و من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق.

"ما هو الفن؟": بحث تولستوي المضني عن جوهر الإبداع

في كتابه "ما هو الفن؟"، الذي استغرق تأليفه خمسة عشر عامًا، ينطلق ليو تولستوي في رحلة فكرية عميقة لتحديد معنى الفن الحقيقي واستخلاص جوهره، مُجرّدًا إياه من المفاهيم المُتداخلة كالجَمال واللذة والحقيقة. يُقدّم تولستوي في هذا الكتاب ثروة ثقافية هائلة من خلال مُناقشة آراء العديد من المُفكّرين بمُختلف اتجاهاتهم، ساعيًا إلى كشف زيف "الفن المُبتذل" الذي يُشكّل خطرًا جسيمًا على المُجتمع لقُدرته على التشويه والتضليل. في المقابل، يدعو تولستوي إلى التمسّك بـ "الفن الأصيل"، الفن الحقيقي القادر على نشر التفاهم وتوحيد المشاعر الإنسانية، سواء كانت فرحًا أو حزنًا.

ينطلق تولستوي في بحثه عن جوهر القيمة الفنية من تساؤل بسيط: "هل تُقاس قيمة الغذاء بما يمنحه من لذة ومتعة، أم بما يُقدّمه من فائدة لأجسادنا؟" من هذا المنطلق، يُقدّم تولستوي كتابه "ما هو الفن؟" ، في فترة شهد فيها العالم تحولات مُتسارعة غيّرت المفاهيم السائدة عن الفن. لم يَعُدْ بإمكان الفنان، كجزء من هذا المُجتمع المُتغيّر، أن يكتفي بالتأمل والانجراف وراء مفاهيم مُجرّدة كاللذة والمتعة والجمال واللهو، وغيرها من الأفكار التي ارتبطت تقليديًا بالفن.

أثار الكتاب عند صدوره ردود فعل مُتباينة؛ فقد تعرّض لهجوم من قِبل الكتاب "الإنحطاطيين" كما وصفهم تولستوي، بينما حظي بإشادة من كبار الكُتّاب والمُفكّرين، الذين وصفه بعضهم بأنه "بمثابة اكتشاف أمريكا بالنسبة للفن"، بينما اعتبره آخرون "مصيدة للحمقى".


تحميل كتاب ما هو الفن ؟PDF

  • المؤلف: ليو تولستوي
  • قسم: النقد الفنى
  • اللغة: العربية
  • عدد الصفحات: 232
  • حجم الملف: 3 MB
  • نوع الملف: PDF



 تحول جذري في مفهوم الفن

من اللذة الحسية إلى التواصل العاطفي: تخيّل ليو تولستوي، الأديب الروسي العملاق صاحب الروائع الخالدة كـ "الحرب والسلام" و"آنا كارنينا"، يقف متأملاً أمام تحفة فنية، سواء كانت لوحة زيتية نابضة بالحياة، أو تمثالاً مُتقن الصنع، أو حتى يستمع إلى سيمفونية آسرة. لم يكن تولستوي مُجرّد مُشاهد أو مُستمع عادي، بل كان فيلسوفاً مُفكّراً يُحلّل كل ما يراه ويسمعه. كان السؤال الذي يُلحّ عليه هو: ما الذي يجعل هذا العمل "فناً" بحق؟

في عصره، كانت الإجابة السائدة تتمحور حول مفهوم "الجمال". كان يُعتقد أن الفن هو ما يُثير فينا إحساساً بالجمال والمتعة الحسية. لكن تولستوي، برؤيته النقدية العميقة، رفض هذا المفهوم السائد. لقد رأى أن "الجمال" مفهوم شخصي نسبي، يختلف من شخص لآخر، ولا يُمكن أن يكون معياراً موضوعياً يُحدّد قيمة العمل الفني الحقيقية. فما يُعتبر جميلاً لشخص ما قد لا يكون كذلك لشخص آخر.

لم يقتنع تولستوي بأن الفن مُجرّد وسيلة لإمتاع الحواس، بل كان يبحث عن شيء أعمق وأكثر جوهرية. بدأ رحلة بحث مضنية في تاريخ الفن ونظرياته، مُستعرضاً آراء الفلاسفة والمُفكّرين السابقين، ليخلص في النهاية إلى رؤية جديدة تماماً تُغيّر مفهوم الفن جذرياً.

هذه الرؤية الجديدة نكتشف فلسفة الجمال والفن عند تولستوي والتي تُركّز على مفهوم نقل الشعور أو التواصل العاطفي. بالنسبة لتولستوي، الفن الحقيقي ليس مُجرّد إثارة للذة الحسية، بل هو وسيلة للتواصل بين البشر. هو وسيلة لنقل المشاعر والأحاسيس من الفنان إلى المُتلقي، بحيث يشعر المُتلقي بنفس المشاعر التي ألهمت الفنان أثناء إنشاء العمل الفني. هذا الانتقال العاطفي، هذه المُشاركة الوجدانية التي تُصيب المُتلقي، هي ما يُميّز الفن الحقيقي عن الفن الزائف أو المُبتذل.

بهذا التحول الجذري في الرؤية، نقل تولستوي تركيز النقاش من "الجمال" كمفهوم مُجرّد إلى التواصل العاطفي كهدف أساسي للفن. لم يعد الفن مُجرّد وسيلة لإمتاع الحواس، بل أصبح وسيلة لتوحيد البشر في شعور مُشترك، ولتعزيز الروابط الإنسانية بينهم.

معايير تولستوي للفن الحقيقي: البساطة والصدق والوضوح

لم يكتف تولستوي بوضع تعريف جديد للفن، بل وضع أيضاً معايير صارمة لتمييز الفن الحقيقي عن الفن الزائف. من أهم هذه المعايير:

  • البساطة والوضوح: يجب أن يكون العمل الفني بسيطاً وواضحاً، بحيث يُمكن فهمه من قبل عامة الناس، وليس فقط من قبل النخبة المثقفة.
  • الصدق والإخلاص: يجب أن يعبّر العمل الفني عن مشاعر صادقة وأصلية للفنان، وليس عن مشاعر مُزيّفة أو مُبتذلة.
  • العدوى الروحية: يجب أن يُؤثّر العمل الفني في المُتلقي ويُعدي مشاعره به، بحيث يشعر المُتلقي بنفس المشاعر التي شعر بها الفنان.

نقد تولستوي للفن السائد في عصره ورفض النخبوية والغموض

انتقد تولستوي بشدة الفن السائد في عصره، واعتبره فناً نخبوياً وغامضاً، لا يفهمه إلا قلة من الناس. رفض تولستوي أيضاً فكرة "الفن من أجل الفن"، واعتبر أن الفن يجب أن يكون له هدف أخلاقي واجتماعي، وأن يُساهم في تحسين حياة الناس.

أثارت آراء تولستوي جدلاً واسعاً في الأوساط الفنية والثقافية، ولا تزال تُثير النقاش حتى اليوم. البعض اعتبرها آراء مُتطرّفة وغير واقعية، بينما رأى فيها البعض الآخر دعوة صادقة إلى إعادة النظر في مفهوم الفن ودوره في المجتمع.

ما هو الفن؟ إرث فكري لا يزال يُلهم ويُحفّز

بعد مرور أكثر من قرن على صدور كتاب "ما هو الفن؟"، لا يزال هذا الكتاب يُعتبر من أهم الكتب التي تناولت موضوع الفن. سواء اتفقنا مع آراء تولستوي أم اختلفنا معها، لا يُمكن إنكار أهمية هذا الكتاب في تحفيز النقاش حول جوهر الفن ودوره في حياتنا.

يدعونا تولستوي من خلال كتابه إلى التفكير بعمق في معنى الفن، وإلى البحث عن الفن الحقيقي الذي يُوحّدنا ويُثري حياتنا. يدعونا إلى تجاوز المفاهيم السطحية عن الجمال واللذة، والبحث عن الصدق والإخلاص والعدوى الروحية في الأعمال الفنية.


مواضيع مهمه
النقد الفنى
مواضيع متنوعة:

Share To:

About Me

Mohamed Magdy is a fine artist, professional in oil painting, classic furniture and decor designer, writer, and researcher in the humanities. .Follow me

Post A Comment:

backtotop

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط ليقدم لك تجربة تصفح أفضل. باستخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط

قراءة المزيد