فيلم The Burnt Orange Heresy
كتابٍ بعنوان "قوة الناقد" The power of the critic؛ كيف يتحول النقد الفتي من وسيلة لشرح الفن وابراز مناطق القوة والضعف في العمل الفني الي واداة مخادعة تضلل المتلقي للفنون ، وقدرة النقد في تحويل رؤية المجتمع للفن من فن نافع او فن مضلل بلا غاية، نعرض شرح لتلك الافكار من خلال فيلم The Burnt Orange Heresy.
فيلم The Burnt Orange Heresy
تقديم
أن تكون المعرفةُ سبيلاً للإغواء، وأداةً لاختلاق الأوهام، وتكريسها، وزرعها في عقول الآخرين. أن تكون البلاغةُ وسيلةً للتمويه على الناس، وشَرَكاً لاستدراجِهِم لابتلاع الأكاذيب والتفاهات. أن تصبح الخبرةُ مصدراً لإحكام التدليس، وسلاحاً لتمرير الزيفِ تحت شعاراتٍ طَنّانةٍ، وإخفاء حقيقته المُشوّهة تحت طبقاتٍ بَرّاقةٍ من التَفَلسُف الخَدّاع. هذه بعض الأفكار التي تُواصِل الطنين داخل رؤوسنا، لتَلدَغَنا بقسوةٍ في مراكز قَناعاتنا الثقافية والجمالية، التي طالما حَسِبناها منيعةً، عند مشاهدة هذا الفيلم، الذي يحمل عنواناً إشكالياً، تماماً كمحتواه، هو "الهرطقة البرتقالية المحروقة" The Burnt Orange Heresy.أحداث فيلم The Burnt Orange Heresy.
الفيلم من إنتاج إيطالي أمريكي إنجليزي مشترك، من إخراج الإيطالي "جوزيبّي كابوتوندي"، وسيناريو الأمريكي "سكوت سميث". وقد عُرِضَ للمرة الأولى في "مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي" في 7 سبتمبر 2019، وأتيح للعرض العام في 6 مارس 2020، قبل أن تقرر شركة "سوني بيكتشرز كلاسيكس" إيقاف عرضه بسبب تداعيات الوباء العالمي، لتعود لإطلاقه للعرض في السابع من أغسطس 2020.
قصة فيلم The Burnt Orange Heresy
قصة الفيلم مستَمَدّة من رواية للكاتب الأمريكي "تشارلز ويلفورد" (1919 – 1988)، تحمل نفس الاسم، صَدَرَت عام 1971. والقصة تدور حول ناقد للفنون البصرية مقيم بإيطاليا، يُدعى "جيمس فيجويراس"، أدّى دوره الممثل الدنماركي "كلايس بانج"، يتمتع بخبرة واسعة في مجاله، يعزّزها أسلوبٌ خَلّاب في الكتابة، وقدرة على الإقناع والتأثير، ويحمل بين جوانحه اعتقاداً راسخاً في أن الناقد هو الوحيد القادر على إسباغ القيمة على أي مُنتَجٍ فنيّ أو نفيها عنه؛ وهو ما يبلوره في كتابٍ بعنوان "قوة الناقد" The power of the critic. وتحت ضغط هذا الاعتقاد، الذي تؤججه رغبة مسعورة في النجاح والشهرة والإثراء الفاحش، يستغل "فيجويراس" هذه المَلَكات في التلاعُب بعقول المُتَلَقّين ومحبي الفنون، من خلال تمرير أكاذيب ومعلومات مختَلَقة في محاضراته العامة، حول معانٍ فَذّة كامنة في أعمال فنية متواضعة المستوى، يُقنِع بها مستمعيه تماماً، قبل أن يكشف لهم في نهاية المحاضرات حقيقتها، ليُثبت لهم عملياً أن الناقد هو السُلطة الوحيدة القابضة على مقاليد القيمة في عالم الفن.وفي واحدة من محاضراته تلك، يلتقي "فيجويراس" بمُدَرِّسة شابة، لعبت دورها الممثلة الأسترالية "إليزابيث ديبيكي"، قادمة إلى أوربا من بلدة أمريكية صغيرة، لمحاولة الهروب من تجربة حياتية فاشلة، فتلجأ للاختباء خلف قناع شخصية مُتَخَيَّلة تُدعى "بيرينيس هوليس". وبرغم فارق السن، تنجذب "بيرينيس" للناقد الكهل، لتجمعهما علاقة حِسّيّة. وسرعان ما تتطور العلاقة إلى صداقة مُتوَهَّمة، بتأثير انبهار "بيرينيس" بالمناخ الفني والفكري الذي يلف حياة "فيجويراس"، وما يميز شخصيته من غموض وغرابة.
يتلقى "فيجويراس" دعوة لزيارة القصر الصيفي لأحد كبار مقتني الأعمال الفنية، وهو رجل أعمال فاحش الثراء يُدعى "جوزيف كاسيدي"، أدى دوره المغني الممثل الإنجليزي "مايك جاجر". ويصطحب "فيجويراس" "بيرنيس" في هذه الزيارة، التي يناقش خلالها تفاصيل قيامه بكتابة نَصّ كتالوج يضم مجموعة المقتنيات الفنية العالمية التي يمتلكها "كاسيدي"، والتي تتكون في معظمها من أعمال لمشاهير الفنانين المعاصرين.
أثناء النقاش، يتكَشَّف لنا أن الملياردير "كاسيدي" ضالعٌ في عمليات غير قانونية لبيع وشراء أعمال فنية مزيفة، مُفاجئاً "فيجويراس" بأنه على دراية بأن الأخير كان قد كتب مقالاً نقدياً عن لوحة مزورة لفنان شهير، نظير مبلغ من المال، لإيهام المقتنين بأصالتها. ثم يفاجئه مرةً أخرى بأنه اشتراها بالرغم من ذلك، ليبيعها بعد ذلك لمتحفٍ شهير بنيويورك، محققاً هامش ربحٍ كبير، وتزداد دهشة "فيجويراس" عندما يكشف له الملياردير أنه على دراية بتورُّطِه في عملية اختلاس، خلال عمله بأحد المتاحف، أدت للتأثير على مشواره في عالم المؤسسات الفنية الكبرى، واكتفائه بكتابة المقالات وتقديم المحاضرات فقط. كما يكشف المقتني الكبير للناقد كذلك أنه يتولى منذ عدة سنوات رعاية فنان أسطوري يُدعى "جيروم ديبني"، أدى دوره الممثل الكندي "دونالد ساذرلاند".
وبالوصول إلى ذروة الأحداث، يتواطأ الناقد والمقتني على سرقة أحد أعمال الفنان، لنكتَشِف أنه بدوره لم يرسم شيئاً على امتداد سنواتٍ طوال، ولتتطور مؤامرة السرقة إلى تزوير مقرون بالسطو والإحراق والقتل. وفي النهاية، يضعنا صنّاع الفيلم أمام سؤال مُلغِز، مع لوحة مسروقة مزورة، تحتل مكاناً بارزاً في أحد المتاحف المعاصرة، لتثير انتباه ناقدة شابة، تُنهي الفيلم بسؤال فلسفي قابل لتفسيرات متعددة ومُتيح لنهايات مفتوحة.
فيلم بديع على كافة المستويات، أنصح بمشاهدته كل من له علاقة بعالم الفنون البصرية، وكل شغوف بالسينما المُحَرِّضة على التأمل.
المصادر:
د. ياسر منجي
د. ياسر منجي
Post A Comment:
0 comments so far,add yours