أن نوظف الفن في خدمة حياتنا والتقدم بمجتمعنا، ماذا يقدم الفن السريالي والتجريدي للمجتمع؟
مدارس الضباب في الفن
كتب إحد النقاد مقالة بمعرض الرسم في موسكو
تتخذ المقالة شكل الدفاع عن حرية الفنان قي ممارسة التعبير الفني، بينما هى تهاجم حق إبداء الرأي في الأعمال الفنية.
ولا أحسب أن احد يمكن أن يوافق غلى هذا الموقف، فمن حق الفنان أن يمارس حريته في التعبير، وأن يعرض فنه للجمهور، ومن حق الناس أن تبدي آراءها فيما يقدمه الفنان من أعمال فنية.
نقد التجريدية والسريالية وفن الامعقول
عن التجريدية والسريالية
إن الذين يدافعون عن التجريدية والسريالية و غير المعقول، وكل المذاهب التي يمكن أن تنطوي تحت راية الفن للفن يستندون في دفاعهم الي حق الفنان في ممارسة حريته على الوجع الأكمل وفي إبداع فنه كيفما شاء.
ونحن لا نجادل في ذلك الحق، ولكن هذا لا يحيل بيننا و معارضتنا لمذاهب التجريدين والسيريالي.
وكأن كلا منهم يقول "مالي ولمشاكل الناس؟ فلتحترق الدنيا بنيران الحروب أو لتنعم بالسلام ! أنا وحدي والعالم وحده "
هذا هو موقف التجريدين والسريالين واللامعقولين وغيرهم. هذه شعارهم وموقفهم من الحياة والناس.
وإذا بحث أولئك عن الحرية المزعومة التي يطالبون بها فأنها في حالة انزوائهم عن الحياة والمجتمع، سوف تذبل وتتساقط أوراقها ويجف عودها لتموت.
ذلك : لأن الفنان إذا انعزل عن الناس وعاش في برجه الخاص، سوف تفقد عواطفه وأفكاره المصدر الذي ترتوي منه، وهو الحياة والمجتمع.
عندئذ، تتناقض مشاعرة وأفكاره مع مشاعر المجتمع وأفكار الناس، ليعيش بمعزل عن الحياة في سجنه الخاص الذي لا يمارس فيه أية حرية حقيقية !
الحرية في الفن
ان الحرية بمعناها الحقيقي هي في انسجام مشاعر الفنان مع مشاعر قومه حيث يشعر ويقدر مشاكلهم ويعبر عنها، وتزدهر الألفة والتعاون بينه و المجتمع .وعندئذ : يستطيع الفنان بواسطة الإندماج بالمجتمع أن يحقق حريته بأوسع الحدود، وبذلك يكون انصراف الفنانين المذاهب التجريدية والهلوسة وأن يضع فنه في خدمة الحياة والمجتمع، ذلك هو طريق الحرية.
أن المذاهب الفنية المنطوية تحت راية الفن للفن، تنادي بتوظيف الفن لصرف الإنسان عن حب الحياة والإيمان بها.
وقد خصص الناقد إطارًا في صفحته الفنية احتفل فيه بقول
صموييل بيكيت :
" ما الفرق بين يوم ويوم؟ ولدنا في يوم ونموت في يوم …"
إن النساء تلدنا جالسات على حفرة القبر، فيلمع الضياء برهة ثم يهبط الليل من جديد!!
بأي حلوكة ويأس تقطر هذه الكلمات؟
وهل نحن بحاجة إلى الشعور المرير بالتدهور والعدمية، أم نحن بحاجة للشعور بالتقدم والانتصار؟
أن دعوة الفن للفن تنادي بتوظيف الفن لتخدير الإنسان وأبعاده جودة الحياة والعمل من أجل تطويرها للأحسن.، بل أيضأ توظف الفن لإمتصاص تفاؤل الانسان ونسف اعتماده على الواقع، والإلقاء به قي دوامات الضباب وتعطيل إرادته عن الازدهار.
لقد عجبت لما كان يسري من التشنج والتخويف قب ذلك المقال بمناسبة مَعْرِض الرسم، وكأنما هو إنذار بالاتهام مسدد إلى صدر كل ممّن يفتح فمه بكلمة مول الفن التجريدي الذي ينطوي تحت راية الفن للفن.
صراع فكري عام 1951
وقد اعتب الفريق الأول تلك الأتجاهات الفنية معادية لمصالح الشعب لأنها تحاول صرف قوته عن تحقيق أمانيه، واستطاعت الطليعة التي تربط الفن بخدمة المجتمع أن تمزق الأثواب البراقة عن حقيقة تلك المذاهب الفنية الضارة، فانسحب أصحابها يجرون أزيال العار أمام الجميع ! غير أنهم كانوا قد همدو الى حين ، فمَا لبثوا أن عادوا مرة أخرى أكثر استعدادًا وضراوة وخبثًا، فاشتبكوا مع المنادين بوضع الفن في خدمة الحياة، واستباحوا لأنفسهم استخدام جميع الأسلحة غير الأدبية بما في ذلك التشهير والاتهام.
ولكن الطليعة الباسلة واجهت تلك الأسلحة بصدور الشجعان، واقتحمت على دعاة الفن للفن أوكارهم التي يترنح فيها الضباب وفضحت سمومها أمام الرأي العام .
واستمرت دعوة الفن للحياة ، حتى عاد أصحاب الدعوة المنهزمة يتجهون من جديد لرفع راية الفن للفن محاولين تحت شعار حرية الفنان أن يجتذبوا خلف تلك الراية شباب الفنانين في بلادنا إلى دومات اللامسؤولية أمام أنفسهم وأمام المجتمع .
يذكر المقال في مقدمة ملخصة لمسرحية صمويل بيكيت بأسم (في انتظار غودو)
" وكلما اقترب ناقد من مسرحية صمويل بيكيت، وبدأ في تفسير ألغازها، هب في وجهه ناقد أخر قائلًا:
ابتعد ولا تحاول تفسير هذه المسرحية، فمَا فيها من شيء يفسر، إنما هي مجرد عمل فني بلا هدف ولا غاية، هي مجرد تصور الغير معقول، لأن الحياة ذاتها خالية من المعقول."
وهكذا تتسم تلك الأعمال الفنية بأنها ليست ذات هدف ولا غاية ! وإنها مجرد تصوير الامعقول‘
والحياة عند أصحاب مدارس الفن للفن خالية من المعقول ..
ثم يضيف الناقد في تلخيصه لمسرحية بيكيت :
وفي كل يوم يخرج بحث جديد يحاول صاحبه فك الطلاسم – إن كانت هناك طلاسم – وينسب إلى صمويل بيكيت مقاصد ومعاني، لا يعلم بها أحد -ربما ولا بيكيت نفسه -إن كانت في بطن الكاتب، أو محض تأملات تجول في ذهن القارئأو المشاهد ...
وهكذا ينبغي أن يكون العمل الفني عند أصحاب الفن للفن، مجموعة من الطلاسم يجتمع لخلاها جهابزة الباحثين ولا يعرفون !
نقد الفن السريالي والتجريدي
وقيل لصمويل بيكيت:
" وماذا تقصد بمسرحية غودو؟ فأجاب :
لو أنني أعرف لقلت هنا في مسرحيتي !"
وإذا كان الكاتب لا يعرف ماذا يقصد برسم شخصية البطل الغائب وهو أحد محاور عمله الفني فكيف تطالب القارئ أو المشاهد بأن يعرف؟
واذا لم يصل الفن إلى قلوب الناس وعقولهم ،فكيف يزدهر في مشاعرهم وأفكارهم، كيف يمكن أن يثمر الفن داخل النفوس إذا كانت بذور المشاعر والإحاءات والأفكار الفنية لا تصل إلى ارض القلوب والعقول؟
وبالرغم من تحذير النقاد بعضهم للأخر- من محاولة فك ألغاز مسرحية بيكيت ، وبالرغم من تصريح المؤلف نفسة بأنه لا يعرف ما يقصده في مسرحيته – فأن أحدهم يشرح، ولست أدري كيف فهم الناقد مالم يفهمه مؤلف العمل نفسهَ !؟
يقول ناقدنا المذكور عن المسرحية بأنها (صلاة ونشيد ضراعة لاستمطار اللطف الإلهي، انبعث من قلب ألإنسانية المعذب، ومن عقلها الذي نهشته الألآم صلاة لم تسمع الإنسانية أجمل منها ولا أعمق متها منذ أن صلت الضارعات بنات داناوس في مأساة اسخيلوس العظيم!!)
وهذا هو موقف الترحيب ولبتبني لنقاد أعمل واتجاه الفن للفن، فهل يمكن أن نسكت على هذا الموقف؟
(بالتأكيد الجواب :لا بالطبع)
الفن والمجتمع
ذلك لان بلادنا وهى تقطع الخطى الواسعة في طريق البناء بحاجة إلى كل قطرة من أرادة، وكل ذرة من الاهتمام، لبناء حياتنا الجديدة.من اجل هذا : ينبغي أن نوظف الفن في خدمة حياتنا والتقدم بمجتمعنا.
لذا أصبح واجبنا أن ننبذ دعوات الفن للفن، واللامعقول في الفن و أن نمضي بمشعل الفن لأضاءة الطريق أمام الإنسان الأرقى والمجتمع المتقدم.
Post A Comment:
0 comments so far,add yours